لا احد رضع حليب الوطنية من ثدي أمه. فالوطنية ثقافة يتعلمها الإنسان وسلوك يحاسب عليه٬ لان الالتزام الوطني عند الأمي و المتعلم٬ عند الغني و الفقير٬ عند المقيم و المهاجر٬ حق وواجب لا يعفى منه الا المعتوه و المجنون و السفيه والحاقد و الحاسد و المغرض و المناوئ٬ ومن في قلبه مرض٬ أي فاقد الاهلية.
لا يحق لأحد ان يتصرف تجاه الوطنية دون حسيب او رقيب و ان يبرر لنفسه الاستقواء بالأجنبي ٬ أو الارتماء في أحضان السفارات او تشويه صورة بلاده في فضائيات الحقد و التطرف و الانتهازية٬ او تلقي تمويلات خارجية "بريئة"...
لا يحق لاحد ان يبحث عن مكانة فوق القانون و مواطنة بدرجة استثنائية ٬ تبرر له هتك الاعراض و نشر الدعايات المغرضة و ثلب الهيئات و الدعوة الى الفتن و الكراهية و البغضاء٬ لانه "حماية" أي مواطن مسنود من الخارج‼
فهذا سلوك منحرف و جريمة كبرى ليس لها من مبرر. جريمة لا تجد في المجتمعات المتحضرة٬ و الاقل تحضرا أي تعاطف او تسامح لانها خطر يهدد بنسف اساس العمران وهو الامن لتحل محله الفوضى.
فلمواجهتها اباح " ديغول "بعد التحرير قتل الخونة و العملاء و شطبت فرنسا من تاريخها بطل فردان الماريشال" بيتان" لانه شارك في حكومة التعاون مع العدو و هو حال كل من يخشى على آمنه و استقراره في اعرق الديمقراطيات.
فالعمالة لا يمكن ان تكون وجها من وجوه الوطنية. و العميل لا يمكن ان يكون شريكا في الانتماء لوطن٬ فتح لكل التونسيين باب المصالحة و المشاركة و الاندماج و المساواة امام القانون و الانتفاع بثمار الأمن و الاستقرار الذين اهلا بلادنا لتواصل مسيرتها الإصلاحية الثابتة ٬ و تأهيلها الشامل.
بل هو خائن خوان يستحق أبشع النعوت لوصف جريمة تدينها كل الشرائع بما فيها الطبيعية. فالخروج عن المجموعة شيء كريه ٬ لا سيما ان كان الخارج٬ المنسلخ من جلدته ممن اكل "غلة "وطنه و تمرغ في نعيمه ٬عقودا عديدة٬ و سلوك هجين حتى في عالم الحيوان يستحق صاحبه النبذ و المقاطعة و المعاقبة الصارمة.
فهي جريمة خطيرة ٬ لا يمكن اعتبارها بأي وجه من الوجوه حرية تعبير, بل تعبير عن غياب الوازع الأخلاقي الذاتي لدى هذه الشرذمة القليلة ٬ التي تضع مصالحها الشخصية الضيقة فوق كل اعتبار, متجاهلة ما جره شعار حق التدخل على شعوب عديدة من كوارث و مخاطر تكفينا العودة إلى أجواء انتصاب الحماية لندرك الفاتورة الباهظة التي يسببها هذا السلوك الأرعن الذي يحتم المعالجة الرادعة في أطار سلطة القانون.