عربيا كالفطر تنتشر الآن، القنوات الفضائية ذات الطابع السّلفي. إذ باتت تشكل حضوراً إعلامياً لافتاً في الأوساط الشعبية، وتحديداً في البلدان العربية الطافحة بالأزمات الاقتصادية والسياسية. ويعتمد الإعلام السلفي على وسائل اتصال أخرى، مستفيداً من التقنيات الحديثة مثل أشرطة الكاسيت، ومواقع الإنترنت، إضافة الى المحطات الإذاعية ايضاً.
فما هي مقومات هذا الاتجاه الجديد في الإعلام العربي؟
والى ماذا يستند في سرعة نفوذه الجماهيري؟
تأسّست كثير من هذه التجارب الفضائية على أساس استثماري تجاري، وتبنّت في البدء برامج ترفيهية على أنواعها، قبل ان تغير مسارها وتهتدي الى الوعظ الديني، الذي لا علاقة له بعلماء الدين ولا بمرجعية الأزهر الشريف.. وهكذا تعمل هذه الفضائيات على أساس العرض والطلب، ومستحقاتها من الخطابات والشعارات المتناسبة تماماً مع حالة الركود الفكري العام والمؤدية بالضرورة إلى الانعزال عن حركة الواقع.
«الناس» هي المحطة الفضائية الأكثر رواجاً الان،
كانت قد حددت وجهتها كقناة ترفيهية متنوعة، تقدم برامج الغناء وتفسير الأحلام.... الخ، وفي تلك المرحلة كان شعارها « قناة الناس لكل الناس»، قبل أن تتحول ابتداء من يناير (كانون الثاني) 2006 الى قناة دينية سلفية بالكامل، وتنتقل إلى شعارها الجديد الذي يناسب المرحلة: «قناة الناس... شاشة تأخذك الى الجنة»!
المقصود هنا بالطبع جنة الآخرة. اما جنة الدنيا، فلا نصيب لمشاهدي القناة فيها.. وهكذا فلكل واحد جنته سواء في الدنيا أم في الآخرة!
•يتضمن الخطاب الذي تبثه الفضائيات السلفية، دعوة الى التدين الفرداني والخلاص الذاتي، بعيداً عن الاشتباك مع مفردات وحقائق الحياة اليومية. وهو منزوع الهوية الوطنية والسياسية، فأساس التفضيل هو القناعة الفردية.
الدنيوية في الخطاب الجديد السلفي باتت تحيل على مفهوم آخر، لاحظوا مثلاً شعار قناة «إقرأ» الذي يقول: «أقم صلاتك تنعم بحياتك»،
فالثواب والنعيم يتحققان في الحياة الدنيا اذا أقيمت العبادات والتزم الفرد بتأديتها.. هذه الفلسفة تأتي رداً على طغيان الخطاب الاستهلاكي اليومي، وإقصاء التفكير في تحسين شروط الحياة اليومية وضرورات التغيير. انه خطاب هروبي بامتياز، في ظل الفراغ الرهيب الواقع في مساحة الحركة الجماهيرية الهامدة، والقصور عن إحداث أية تغييرات جادة في الواقع السياسي والاقتصادي الراهن.
•يدرك المستثمرون في هذه الفضائيات دور الإعلام وأهميته المطلقة في التواصل والتأثير والقدرة على صنع القرار. فالإعلام صناعة أصبح لها منطقها الخاص، ولا بد من فرض هذا الاتجاه الاستثماري حتى في الفضائيات التي تدعو الى التدين.
التدين الجديد الذي تدعو إليه هذه الفضائيات يتضمن علاقة استهلاكية بالدين على أساس العرض والطلب والاختيار الديني الذي يتحقق وفق مبدأين: الراحة والاستهلاك، وللدعاة في عدد من الفضائيات أجور يقال إنها كبيرة جدا. وهناك حقوق للملكية الفكرية يحمي بها الداعية وعظياته وتحتكرها شركات نشر وقنوات بثّ، وهو تحوّل جديد تماماً في التعامل مع دروس الوعظ التي كانت فيما قبل واجباً دينياً، إلا أن هناك عدداًَ من الشيوخ رفضوا فكرة الفواصل الإعلانية مثلاً، أثناء برامجهم، او توظيف رنات الهاتف النقال على نحو ما فعلت إدارة إحدى القنوات بإدخال كلمات وأدعية بصوت هؤلاء الدعاة وعرضها بصورة تسويقية مبتذلة بمقابل مادي مثل «رنة هتدخلك الجنة»!!
كما رفض عدد من الدعاة أيضاً بث الموسيقى مستعيضين عنها بمؤثرات صوتية، وأوقف ظهور المرأة على الشاشات، أو العمل في القناة، وبدأ النقاش جديا حول تشكيل لجنة شرعية لإدارة القناة الفضائية.
عبلة أبو علبة
كاتبة من الأردن
تاريخ النشر : 2009-05-30